رَكَزوا رُفاتَكَ في الرِمالِ لِواءَ | يَستَنهِضُ الوادي صَباحَ مَساءَ |
يا وَيحَهُم نَصَبوا مَناراً مِن دَمٍ | توحي إِلى جيلِ الغَدِ البَغضاءَ |
ما ضَرَّ لَو جَعَلوا العَلاقَةَ في غَدٍ | بَينَ الشُعوبِ مَوَدَّةً وَإِخاءَ |
جُرحٌ يَصيحُ عَلى المَدى وَضَحِيَّةٌ | تَتَلَمَّسُ الحُرِّيَةَ الحَمراءَ |
يا أَيُّها السَيفُ المُجَرَّدُ بِالفَلا | يَكسو السُيوفَ عَلى الزَمانِ مَضاءَ |
تِلكَ الصَحاري غِمدُ كُلِّ مُهَنَّدٍ | أَبلى فَأَحسَنَ في العَدُوِّ بَلاءَ |
وَقُبورُ مَوتى مِن شَبابِ أُمَيَّةٍ | وَكُهولِهِم لَم يَبرَحوا أَحياءَ |
لَو لاذَ بِالجَوزاءِ مِنهُم مَعقِلٌ | دَخَلوا عَلى أَبراجِها الجَوزاءَ |
فَتَحوا الشَمالَ سُهولَهُ وَجِبالَهُ | وَتَوَغَّلوا فَاِستَعمَروا الخَضراءَ |
وَبَنَوا حَضارَتَهُم فَطاوَلَ رُكنُها | دارَ السَلامِ وَجِلَّقَ الشَمّاءَ |
خُيِّرتَ فَاِختَرتَ المَبيتَ عَلى الطَوى | لَم تَبنِ جاهاً أَو تَلُمَّ ثَراءَ |
إِنَّ البُطولَةَ أَن تَموتَ مِن الظَما | لَيسَ البُطولَةُ أَن تَعُبَّ الماءَ |
إِفريقيا مَهدُ الأُسودِ وَلَحدُها | ضَجَّت عَلَيكَ أَراجِلاً وَنِساءَ |
وَالمُسلِمونَ عَلى اِختِلافِ دِيارِهِم | لا يَملُكونَ مَعَ المُصابِ عَزاءَ |
وَالجاهِلِيَّةُ مِن وَراءِ قُبورِهِم | يَبكونَ زيدَ الخَيلِ وَالفَلحاءَ |
في ذِمَّةِ اللَهِ الكَريمِ وَحِفظِهِ | جَسَدٌ بِبُرقَةَ وُسِّدَ الصَحراءَ |
لَم تُبقِ مِنهُ رَحى الوَقائِعِ أَعظُماً | تَبلى وَلَم تُبقِ الرِماحُ دِماءَ |
كَرُفاتِ نَسرٍ أَو بَقِيَّةِ ضَيغَمٍ | باتا وَراءَ السافِياتِ هَباءَ |
بَطَلُ البَداوَةِ لَم يَكُن يَغزو عَلى | تَنَكٍ وَلَم يَكُ يَركَبُ الأَجواءَ |
لَكِن أَخو خَيلٍ حَمى صَهَواتِها | وَأَدارَ مِن أَعرافِها الهَيجاءَ |
لَبّى قَضاءَ الأَرضِ أَمسِ بِمُهجَةٍ | لَم تَخشَ إِلّا لِلسَماءِ قَضاءَ |
وافاهُ مَرفوعَ الجَبينِ كَأَنَّهُ | سُقراطُ جَرَّ إِلى القُضاةِ رِداءَ |
شَيخٌ تَمالَكَ سِنَّهُ لَم يَنفَجِر | كَالطِفلِ مِن خَوفِ العِقابِ بُكاءَ |
وَأَخو أُمورٍ عاشَ في سَرّائِها | فَتَغَيَّرَت فَتَوَقَّعَ الضَرّاءَ |
الأُسدُ تَزأَرُ في الحَديدِ وَلَن تَرى | في السِجنِ ضِرغاماً بَكى اِستِخذاءَ |
وَأَتى الأَسيرُ يَجُرُّ ثِقلَ حَديدِهِ | أَسَدٌ يُجَرِّرُ حَيَّةً رَقطاءَ |
عَضَّت بِساقَيهِ القُيودُ فَلَم يَنُؤ | وَمَشَت بِهَيكَلِهِ السُنونَ فَناءَ |
تِسعونَ لَو رَكِبَت مَناكِبَ شاهِقٍ | لَتَرَجَّلَت هَضَباتُهُ إِعياءَ |
خَفِيَت عَنِ القاضي وَفاتَ نَصيبُها | مِن رِفقِ جُندٍ قادَةً نُبَلاءَ |
وَالسُنُّ تَعصِفُ كُلَّ قَلبِ مُهَذَّبٍ | عَرَفَ الجُدودَ وَأَدرَكَ الآباءَ |
دَفَعوا إِلى الجَلّادِ أَغلَبَ ماجِداً | يَأسو الجِراحَ وَيُعَتِقُ الأُسَراءَ |
وَيُشاطِرُ الأَقرانَ ذُخرَ سِلاحِهِ | وَيَصُفُّ حَولَ خِوانِهِ الأَعداءَ |
وَتَخَيَّروا الحَبلَ المَهينَ مَنِيَّةً | لِلَّيثِ يَلفِظُ حَولَهُ الحَوباءَ |
حَرَموا المَماتَ عَلى الصَوارِمِ وَالقَنا | مَن كانَ يُعطي الطَعنَةَ النَجلاءَ |
إِنّي رَأَيتُ يَدَ الحَضارَةِ أولِعَت | بِالحَقِّ هَدماً تارَةً وَبِناءَ |
شَرَعَت حُقوقَ الناسِ في أَوطانِهِم | إِلّا أُباةَ الضَيمِ وَالضُعَفاءَ |
يا أَيُّها الشَعبُ القَريبُ أَسامِعٌ | فَأَصوغُ في عُمَرَ الشَهيدِ رِثاءَ |
أَم أَلجَمَت فاكَ الخُطوبُ وَحَرَّمَت | أُذنَيكَ حينَ تُخاطَبُ الإِصغاءَ |
ذَهَبَ الزَعيمُ وَأَنتَ باقٍ خالِدٌ | فَاِنقُد رِجالَكَ وَاِختَرِ الزُعَماءَ |
وَأَرِح شُيوخَكَ مِن تَكاليفِ الوَغى | وَاِحمِل عَلى فِتيانِكَ الأَعباءَ |